التطور التدريجي للصراعات: تحليل العنف الحاصل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

التطور التدريجي للصراعات: تحليل العنف الحاصل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

Image processed by CodeCarvings Piczard ### FREE Community Edition ### on 2015-04-01 12:27:34Z |  | Lÿÿÿÿ

منذ بداية الحرب على العراق، انزلق الشرق الأوسط في عدّ تنازلي إلى مستويات أعمق من العنف. والآن، تعاني الكثير من بلدان المنطقة إما من الصراعات الداخلية، أو التأثر جرّاء الصراعات الأخرى. ويرتكز معظم العنف في المنطقة في البلدين الأقل سلمًا في مؤشر السلام العالمي لهذا العام وهما؛ سوريا، والعراق.

يقوم مؤشر السلام العالمي الذي يقدمه معهد الاقتصاد والسلام، بقياس حالة السلم في 162 دولة وفقاً لـ23 مؤشرًا لمدى غياب العنف أو الخوف من العنف. ويناقش مؤشر السلام العالمي لهذا العام الصراعات التي تحدث في ست دول بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأكثر تأثرًا بالصراع. ويوجد أعلى عدد من الوفيات والضحايا من المدنيين المرتبطين بالصراع في المنطقة في عام 2014 في سوريا والعراق واليمن وليبيا وإسرائيل ولبنان، وفي العديد من الحالات يتزايد هذا العدد بشكل كبير.

ولهذه الصراعات أهمية عالمية للعديد من الأسباب المختلفة، أهمها طبيعتها المائعة وحدتها المتزايدة. وفي حين أن هناك الكثير من حالة عدم التأكد بشأن ما ستسفر عنه الأحداث، إلا أنه بات من الواضح أن القوى المحركة لهذه الصراعات أمر معقد. والحقيقة القائلة بأن كل صراع يشتمل على العديد من الفاعلين من الدول، والفاعلين من غير الدول من أصحاب المصالح التكتيكية والاستراتيجية تجعل الطريق نحو السلام أقل وضوحًا. ويسلط التقرير الضوء على  بعض عناصر العنف الأكثر أهمية، كما يحدد بعض الفرص التي تمكّن من عملية بناء السلام. كما يشتمل على مناقشة تفصيلية للصراع في كل دولة، ويتناول النقاط الرئيسة التالية:

  • توجد خمسة صراعات من أصل ستة تعد صراعات داخلية تم تدويلها، بما يعني أن الفاعلين الدوليين متورطون في الحروب الأهلية.
  • تواجه سوريا والعراق واليمن وليبيا تحديات خطيرة بشأن شرعية الحكومات، مما يعمل على استفحال الصراعات العنيفة. وقد نتج عن فشل شرعية الدولة حدوث فراغ في السلطة.
  • ينتشر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام واليمن وليبيا ومؤخرًا في لبنان، ويؤدي انتشاره السريع إلى زيادة عدم الاستقرار في المشرق العربي بشكل أوسع.
  • الانقسامات الطائفية بين الجماعات السنية والشيعية تؤدي إلى العنف ويتم دفعها بواسطة العنف أيضًا.
  • صراعات الوكالة بين المملكة العربية السعودية وإيران تؤثر في الصراعات الأهلية الداخلية.

IPE-Chart1-450x182

وقد بدأت الإطاحة بنظام صدام حسين البعثي في العراق عملية إعادة تشكيل القوى في الشرق الأوسط. وفشل الرئيس نوري المالكي، الذي ترأس الحكومة العراقية في مرحلة ما بعد صدام حسين، في بناء حالة من التوافق بين الجماعات السنية والشيعية في البلاد.

وأدى تهميش المجتمعات السنية في ظل حكم المالكي إلى خلق بيئة لنمو الميليشيات، والتي كان الكثير منها ينتمي للتيار الإسلامي المعادي لكل من الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة، والنفوذ الغربي على حد سواء. وكانت الدولة الإسلامية هي أكثر هذه الجماعات نجاحًا، وقامت باستخدام سياق الحرب الأهلية السورية للتوسع داخل سوريا. ويُعتقد أن هناك ثماني من أصل عشر من القيادات العسكرية العليا لتنظيم الدولة الإسلامية من البعثيين العراقيين، كما انضم ثلاثة جنرالات من حكومة صدام حسين السابقة إلى التنظيم.

وحلت الهوية الدينية أو الولاءات الأخرى في كثير من الأحيان محل الهوية الوطنية في هذه الدول. ولذلك، إذا كانت الدولة تفتقر إلى الشرعية بين السكان- كما هو حال الحكومة العراقية بالنسبة لكثير من السكان السنة في العراق- فمن المرجح أن يبحث المواطنون في أماكن أخرى عن المنافع التي تُقدّم عادة بواسطة الحكومة، خاصة الحماية. وقد اتضحت هذه الأوجه من قصور شرعية الدولة عن طريق التدابير الضعيفة التي تم اتخاذها باستمرار فيما يتعلق بعملية السلام الحقيقية سواء على مستوى المواقف أو المؤسسات أو الهياكل التنظيمية التي تدعم المجتمعات السلمية. وعلى مدار العقد الماضي، سجلت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خاصة سوريا والعراق واليمن ولبنان وليبيا، معدلات أقل من المتوسط في مؤشر السلام الذي يصدره معهد الاقتصاد والسلام.

وفي الواقع، فإن القول إن الانقسام بين سنة وشيعة، أو حتى بين إسلاميين وغير إسلاميين، هو المصدر الوحيد للصراع هو قول مفرط في التبسيط. حيث تحتوي العديد من دول الشرق الأوسط على كل من المكون السني والشيعي ويتعايشون في سلام نسبي، مثل قطر والكويت والإمارات العربية المتحدة. ومع ذلك، فإن وجود المظالم بين الجماعات يرتبط بشكل رئيس بالعنف، ووجود العنف يبرز الانقسامات الطائفية. وكنتيجة لانخفاض حالة السلام الحقيقي، تفتقر المنطقة إلى الكثير من القدرات اللازمة لمنع المزيد من العنف.

وقد عقّدت هذه الصراعات العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية، حيث دعمت كلتا الحكومتين الجماعات المسلحة المتنافسة التي فاقمت الديناميكيات الإقليمية الأخرى. ويتضح هذا في أوضح صورة في اليمن؛ حيث كانت إيران تدعم في وقت مبكر من عام 2015 الحوثيين، في حين كانت المملكة العربية السعودية تقصف مواقعهم مباشرة دعمًا للرئيس عبد ربه منصور هادي. وتم تعقيد الصراعات الإقليمية بشكل أكبر من خلال تدخل القوى العالمية مثل الولايات المتحدة وروسيا، الّذين يرون أهمية المنطقة استراتيجيًا.

وتحليل كل صراع يسلط الضوء على ما تسميه مجموعة الأزمات الدولية بـ”إمكانية التوظيف التي تقدمها الحرب والفوضى“. حيث كانت التوترات المتزايدة والتفكك الأمني أمرًا مفيدًا لتنظيم الدولة الإسلامية. واستفادت الجماعة من الخطاب الطائفي والعاطفة المعادية للغرب لزيادة صفوفها بالمقاتلين الأجانب. وقد زاد فراغ السلطة أيضًا الذي خلفته الدول الفاشلة من جاذبية خلافتهم كبديل للحكومات المأزومة، حتى لو تم ذلك بتكلفة كبيرة.

وقد جلبت الدولة الإسلامية بعدًا جديدًا للصراعات التي تحدث في المنطقة. وقد نصّب أبو بكر البغدادي زعيم الدولة الاسلامية نفسه خليفة، أو قائدًا سياسيًا ودينيًا مسلمًا، في 29 يونيو من العام 2014. وفي خلافة بلاد الشام الجديدة، حاولت الدولة الإسلامية تطبيق تأويلها للشريعة، والذي يتضمن استخدام الرق، وتنفيذ أحكام الإعدام ذات الخلفية الدينية، والحرب كوسائل للخلاص الديني. ويعتقد أتباع الدولة الإسلامية من السنة أنهم يتصرفون وفقًا لبشارة قرآنية، والتي تتضمن النصر في الحرب الدولية.

وعلى الرغم من كون الدولة الاسلامية أمرًا مقيتًا بالنسبة لكثير من الناس، فإنه لا ينبغي التقليل من جاذبيتها؛ حيث تنخرط الجماعة في حملات دعائية عالمية متطورة وموجّهة جيدًا، وتوفر مظلة موحدة للمهمشين، وتنحاز إلى المدارس الوهابية والسلفية التي تمتلك جاذبية واسعة في المملكة العربية السعودية وأجزاء أخرى من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وعملية فهم هذه الحالة من الجاذبية في سياق إقليمي تعتبر أمرًا مهمًا لمواجهة الدولة الإسلامية بنجاح.

ويتطلب احتواء الدولة الإسلامية القضاء على مصدر قوتها، ولا يتمثل ذلك في الأراضي ومواردها المالية فقط، ولكن في معالجة حالات العنف المعقدة واستخدام إطار عمل شامل لبناء عملية السلام. ويناقش تقرير مؤشر السلام العالمي الوعد بالسلام في ليبيا كمثال للمنطقة. وحيثما توجد بدائل سلمية أقل، تكتسب الدولة الاسلامية الأرض.

التقرير