تستعد بريطانيا لانتخابات مبكرة في 12 ديسمبر المقبل عنوانها الأبرز حسم ملف بريكست، حيث يعوّل رئيس الوزراء البريطاني ورئيس حزب المحافظين بوريس جونسون على تحقيق فوز يمكّنه من أغلبية برلمانية مريحة لحسم ملف بريكست في يناير 2020، بعد أن أفشل البرلمان مساعيه في الانفصال بحلول 31 أكتوبر الجاري. وعلى الرغم من أن نتائج استطلاعات الرأي تؤشر على تقدم حزب المحافظين، إلا أن ذلك ليس مضمونا إذ أعطت استطلاعات الرأي الفوز لرئيسة الحكومة السابقة تيريزا ماي خلال انتخابات العام 2017 لكن النتيجة جاءت معاكسة.
على الرغم من أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سوف يسيطر على الحملة الانتخابية، ستكون هناك قضايا أخرى يجب على الناخبين مراعاتها في الانتخابات العامة الثانية منذ تصويت يونيو 2016 لمغادرة الاتحاد الأوروبي، لاسيما وأن الحكومة الجديدة ستضع مجموعة من السياسات المحلية الأخرى، مع الأحزاب السياسية البريطانية والمرشحين عن مناصبهم الانتخابية حول الضرائب والإسكان والبيئة والرعاية الصحية وغيرها من القضايا.
ويمكن أن تؤدي الانتخابات المقبلة إلى تغيير اتجاه الحكومة من الناحية الأيديولوجية، مما يؤثر على كيفية تأسيس علاقة البلاد مع الاتحاد الأوروبي. وبغض النظر عن تكوين الحكومة الجديدة، فإنها ستواجه سلسلة من القرارات الحاسمة المحيطة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك ما إذا كان هذا الانفصال سيحدث على الإطلاق.
واعتمادا على من سيفوز بالسيطرة على الأمور في نهاية المطاف، يمكن للحكومة المقبلة أن تقرر إلغاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو إجراء استفتاء آخر للسماح للناخبين بتحديد كيفية المضيّ قُدما.
حزب المحافظين
أطلق حزب المحافظين حملة وعد بالتصديق على اتفاقية الانسحاب التي توصلت إليها لندن مع بروكسل في منتصف شهر أكتوبر، وجعل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي رسميّا في أواخر شهر يناير عام 2020. لكن جونسون، الذي يظل زعيم الحزب، سيعد أيضا بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حتى دون موافقة البرلمان، وهو يتحايل ليصرف الناخبين عن حزب بريكست الذي يقوده نايجل فاراج.
ويتعهد حزب المحافظين أيضا بأنه بعد مغادرة بريطانيا (بصفقة أو دون صفقة)، ستتفاوض الحكومة تحت قيادتهم على اتفاقية طموحة للتجارة الحرة مع الكتلة وبالتوصل إلى صفقات تجارية مع شركاء آخرين، مثل الولايات المتحدة، في محاولة لإنشاء “بريطانيا عالمية” بعد إتمام صفقة الخروج.
حزب العمال
يتمثّل الموقف الرسمي لحزب العمال، أكبر أحزاب المعارضة، في التفاوض على اتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في غضون ثلاثة أشهر، مع إطلاق وعود بالبقاء في الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي والحفاظ على التوافق مع معظم قواعد السوق الموحدة للكتلة، على الرغم من أن صفقة الخروج التي يتم التفاوض عليها حاليا ستؤدي إلى إزاحة بريطانيا من الاتحاد الجمركي.
وسيعمل الحزب على صياغة هذه المبادئ الجديدة من خلال الدعوة لاستفتاء شعبي جديد. ومع ذلك، فإن أعضاء الحزب منقسمون حول ما إذا كان ذلك الاستفتاء سيغطي فقط شروط صفقة الخروج أو سيشمل أيضا خيارا لإلغاء بريكست تماما.
حزب الديمقراطيين الأحرار
يريد حزب الديمقراطيين الأحرار أن تبقى بريطانيا في الاتحاد الأوروبي ووعدهم الرئيسي في الحملة بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو إلغاء طلب المادة 50 بمغادرة الكتلة وإلغاء العملية. لكن يبدو من غير المرجّح أن يفوز الحزب بما يكفي من المقاعد البرلمانية للبتّ في الأمر.
وإذا انتهى الأمر بالمشاركة في ائتلاف حاكم، فسيتعيّن على أعضائه قبول إمكانية طرح استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدلاً من إلغاء المغادرة بشكل قاطع.
حزب بريكست
كما يوحي الاسم، فإن أجندة حزب بريكست تتمثل في متابعة الخروج من دون صفقة، مما يسمح للبلاد بوضع سياسة تجارية مستقلة تماما. لا يحب الحزب الصفقة التي توصل إليها جونسون مع الاتحاد الأوروبي، بحجة أن الاتفاقية ستظل تخضع بريطانيا لقواعد الاتحاد الأوروبي في عدة مجالات.
لكن لم يستبعد زعيم حزب بريكست، نايجل فاراج، دعم حزب المحافظين في البرلمان، ولكن فقط إذا تابع الخروج دون صفقة.
أظهر استطلاع أجرته مؤسسة “يو غوف” في الفترة من 24 إلى 25 أكتوبر تقديرا لدعم المحافظين بنسبة 36 بالمئة، يليه حزب العمال بنسبة 23 بالمئة، ثم الديمقراطيين الأحرار بنسبة 18 بالمئة، ثم حزب بريكست بنسبة 12 بالمئة.
ومع ذلك، فإن نظام بريطانيا الانتخابي، والذي يمنح كل مقعد برلماني للمرشح الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات (حتى أقلّ من الأغلبية)، وكذلك أنماط تشتت الناخبين (التي تركز على دعم بعض الأحزاب مع تمييع الآخرين)، يجعل الانتخابات البريطانية من الصعب التنبؤ بها.
لذلك حتى إذا حافظ حزب المحافظين على تقدم واضح في استطلاعات الرأي، فلا يوجد أي ضمان لفوزه، والأهم من ذلك، حصوله على أغلبية مقاعد البرلمان. علاوة على ذلك، وإذا فقد الحزب أغلبية المقاعد، إذن فمن المحتمل أن تشكل الأحزاب الأخرى تحالفات لعرقلة حكومة المحافظين.
وإذا تمكّن حزب المحافظين من تشكيل حكومة، فإن فرص خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير 2020 ستزداد بشكل كبير، لأن المشرّعين البريطانيين سيتعيّن عليهم الموافقة على الصفقة الحالية.
وبعد الخروج بموجب هذه الشروط، ستدخل الدولة في فترة انتقالية حتى ديسمبر 2020، حيث ستبقى بريطانيا في السوق الموحدة بينما تتفاوض لندن وبروكسل حول اتفاقية تجارة حرة.
ووفقًا لهذا السيناريو، إذا لم يتمكن الطرفان من التوصل إلى اتفاق تجارة حرة في الوقت المناسب -ولم تمدد فترة الانتقال- فستتم المعاملات التجارية بموجب التعريفات التي حددتها منظمة التجارة العالمية اعتبارا من عام 2021.
وإذا شكّل حزب العمال حكومة، فإنه سيحاول التفاوض على صفقة خروج جديدة مع الاتحاد الأوروبي، وحينها من المحتمل أن تحدد لندن فترة تمديد أخرى لتاريخ الخروج، حيث من المحتمل ألا يكون هناك وقت كاف للتفاوض على صفقة جديدة تمامًا قبل الموعد النهائي الحالي.
علاوة على ذلك، فإن استفتاء حزب العمال المزمع بشأن الصفقة الجديدة سيستغرق أيضا بعض الوقت للترتيب، مما يعني أنه من المحتمل أن يتم تمديد تاريخ الخروج حتى منتصف عام 2020 على الأقل. وعلى الرغم من أن هذا الطلب من شأنه أن يزعج الاتحاد الأوروبي، الذي ينفذ صبره الآن بخصوص
المسألة بعد ثلاثة تأخيرات لإتمام الخروج، إلا أنه من المحتمل أن يأذن به، لاسيما إذا تضمّن الاستفتاء إمكانية إلغاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تماما.
وبالنظر إلى التفتت السياسي الحالي في بريطانيا، فإن تعليق البرلمان أمر محتمل أيضا. وفي هذه الحالة، سيتعين على حزب العمال أو المحافظين تجنيد أحزاب أصغر كشركاء في التحالف في مفاوضات قد تستغرق وقتا. وهذا من شأنه أن يؤخر مرة أخرى التصديق على الصفقة ويجبر لندن على طلب تمديد الخروج.
العرب