كنت قد نشرت هنا في صحيفة «الاتحاد» مقالًا تحليلياً عن نتائج أول قمة خليجية- أميركية تُعقد في تاريخ علاقات الجانبين وقد دعا إليها الرئيس أوباما قبل شهرين من التوصل إلى الاتفاق النووي بين القوى الكبرى وإيران في يوليو الماضي.. وختمت ذلك المقال بهذه العبارات: «في المجمل، كانت قمة ترضية وتوازنات، قمة أفضل الممكن في ظل الظروف والمعطيات والتفاوت في قدرات وإمكانات الطرفين، وفي ضوء عقيدة أوباما «الصبر الاستراتيجي». ولذلك خرجت قمة كامب ديفيد بتطيمنات وليس بضمانات، وبتعهدات وليس بمعاهدات، وتبقى العبرة في التنفيذ». وبعد القمة الخليجية- الأميركية الثانية في الرياض قبل أيام نستطيع استنساخ ما كتبته حينها من نقد وتشكيك في مواقف واستراتيجية إدارة أوباما التي أصبحت أكثر وضوحاً، مع إطلاق مفاهيم ما بات يُعرف بـ«مبدأ أوباما».
وعلى هذه الخلفية المرتبكة والمشككة، ووسط تباين مواقف هو الأكبر، وفي لحظة فارقة بسبب عمق وخطورة التهديدات التي تواجهها المنطقة من دول ومن غير دول، وتهديدات الأمن الناعم والصلب، وتنمُّر إيران بعد اتفاقها النووي، عُقدت القمة الخليجية- الأميركية في المنطقة. ولم تغير كثيراً من الواقع الصعب. بل أتت تكراراً لقمة كامب ديفيد السابقة.. إذ أطلقت تطمينات بلا ضمانات ملزمة أو التزامات واضحة. فلا توجيه خطاب تهديد أو إشهار «بطاقة صفراء»، دع عنك من «الحمراء»، لممارسات إيران المزعزعة للأمن والاستقرار في المنطقة. وهو ما كان أوباما قد وعد بمواجهته في قمة كامب ديفيد. ولكن لم يفعل ذلك على رغم زيادة إيران من تدخلها في شؤون المنطقة، دون انتقاد من البيت الأبيض!
وقد سمعنا في القمة أيضاً كلاماً مستهلكاً منذ أربعة أعوام من قبيل أنه «لا دور للأسد في مستقبل سوريا» دون تقديم استراتيجية لتحويل ذلك الشعار إلى خطة عمل. وأوباما نفسه كان قد رفض خطتين في هذا الصدد للاستخبارات الأميركية في بداية الثورة السورية وقبل تدخل إيران وأذرعها و«حزب الله» و«داعش» وروسيا! وسمعنا أيضاً عن التزام بهزيمة تنظيم «داعش» و«القاعدة».. وتستمر الاستراتيجية الأميركية التي فشلت في هزيمة «داعش» بعد عشرين شهراً من شن الحرب على ذلك التنظيم! ولا استراتيجية واضحة لهزيمته وإسقاط نظام الأسد!
وقد جعلت هذه القمة أوباما هو أول رئيس أميركي يشارك في قمة خليجية وأتى بصفته رئيساً مودعاً وليس بادئاً في أول عهده، وبسقف توقعات منخفضة، حيث لا يمكنه أن يغير استراتيجيته ومبدأه الذي عبّر عنه لجيفري غولدبرغ الصحفي في مجلة «ذي أتلانتك»، وهو ما أثار الكثير من اللغط والانتقادات حول العالم، بسبب نبرة التهجم فيه، والاستقالة الطوعية، وتفضيل عدم التدخل، واتهام الحلفاء بالراكبين بالمجان، ومطالبته بتقاسم النفوذ في المنطقة بيننا وبين إيران، والانتقال في العلاقة معها من الحرب الباردة إلى السلام البارد!
ولا يمكن طبعاً إلا أن نشعر بالإحباط وخيبة الأمل من أنه في الوقت الذي تنظر فيه دول مجلس التعاون إلى واشنطن كحليف استراتيجي، في عهد أوباما وتحالفه غير المعلن مع إيران، باتت طهران تفاخر بالسيطرة على أربع عواصم عربية. وأججت الطائفية والحروب بالوكالة، وزعزعت الأمن والاستقرار. واكتفى أوباما بالتعليق أنه يتابع بقلق سلوك إيران وحلفائها وما تقوم به من زعزعة أمن المنطقة! بينما عبرت دول مجلس التعاون عن استيائها، وتصميمها على مواجهة التهديدات الإيرانية. وطبعاً لا نتفق مع أوباما في أن الخلاف مع إيران تكتيكي كما قال في المؤتمر الصحفي، بل هو استراتيجي، لأن مشروعها يسعى لفرض الهيمنة، ويمتد من اليمن إلى المتوسط ومن العراق إلى بيروت.
لم يعد أمام دول المجلس التي تقود الآن النظام العربي سوى الاعتماد أكثر على القدرات الذاتية وتطويرها والمضي في المشروع الاستراتيجي وتحويله إلى مشروع عربي يردع المشروعات الإقليمية الخارجية. وبدلًا من أن تشهد العلاقة مع واشنطن تعاوناً وتنسيقاً وتقارباً أكبر لتتحول إلى علاقات استراتيجية، نراها تتراجع وتتآكل وتتباين المواقف وتختلف حول مصادر التهديد، وعلى تحديد الأولويات. وهذا المناخ المُحبط والمشكك في التزام الطرف الأميركي بالأمن الخليجي بالأفعال وليس بالأقوال، لا يساعد على زرع الثقة والطمأنينة لدى الطرف الخليجي في الحليف الأميركي، وسط قلق من أن يتحول هذا إلى واقع معيش ونهج تعتمده الإدارات الأميركية القادمة سواء أكانت من الحزب الديمقراطي أو الجمهوري.
عبدالله خليفة الشايجي
صحيفة الاتحاد