تفطنت أوروبا في وقت متأخر جدًّا لحالة التنافس العالمي على الموارد المهمة، وقال تقرير بصحيفة “تلغراف” (Telegraph) البريطانية إن قادة أوروبا يشعرون بقلق متزايد من أن الاتحاد الأوروبي يقلص اعتماده على الوقود الأحفوري الروسي فقط، ليجد نفسه معتمدا بالقدر نفسه على إمدادات المعادن الإستراتيجية التي تسيطر عليها الصين.
ونقل التقرير عن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين قولها -خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس- “لن تعتمد اقتصادات المستقبل بعد الآن على الفحم والنفط، بل على الليثيوم للبطاريات، ومعدن السيليكون للرقائق، وعلى مغناطيسات الأرض النادرة المستدامة للسيارات الكهربائية وتوربينات الرياح”.
وتستحوذ الصين إستراتيجيا على المعادن الأرضية النادرة المستخدمة في صناعة التكنولوجيا المتقدمة، ليس فقط للطاقة الخضراء والذكاء الاصطناعي، بل أيضا في صناعة الليزر العسكري والصواريخ والأقمار الصناعية.
وتهيمن بكين بسرعة على الإمدادات العالمية من الكوبالت والغرافيت، وأكثر من 98% من المغناطيس الدائم قادم من الصين.
وارتفعت أسعار كربونات الليثيوم نحو 10 أضعاف هذا العام، كما ارتفع سعر الكوبالت بنسبة 150%، بينما تضاعفت العقود الآجلة للنيكل.
وقفزت “مواد الكاثود” المستخدمة في صناعة بطاريات السيارات الإلكترونية من 5 إلى 20% من التكلفة الإجمالية في أقل من عقد.
وأصدر الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ تحذيرات صارخة بالقدر نفسه في دافوس بشأن مخاطر الاعتماد المفرط على الصين، خاصة بعد أن كشفت حرب روسيا على أوكرانيا عن مخاطر التجارة الحرة مع قوى وصفها بالمعادية، مشيرا إلى وجوب عدم تكرار كارثة خط أنابيب نورد ستريم 2 في ما يتعلق بالتعاملات مع بكين، وفق ما ينقله تقرير تلغراف.
وحسب التقرير، فقد أقر ستولتنبرغ بأن التجارة الحرة جلبت كثيرا من الرخاء والثروة للجميع، ولكن لها ثمنا، وقال “أنا لست ضد التجارة مع الصين، لكن السيطرة على شبكات الجيل الخامس تكتسب أهمية أمنية حيوية، ولا يمكننا فتح الشبكات للجميع من أجل تحقيق الأرباح والتجارة الحرة؛ إذ لطالما كان التفوق التكنولوجي للناتو أساسيا لأمننا. اليوم نرى تقنيات جديدة ومدمرة يتم دمجها في جميع أنظمة الأسلحة الجديدة، وبالتالي إذا شاركنا هذه التكنولوجيا وحدها فمن الممكن أن نربح بعض المال، لكن هذا أمر خطير”.
خطة الطاقة الخضراء
يسعى الاتحاد الأوروبي لتحقيق أهدافه الطموحة للطاقة الخضراء عبر استبدال جميع واردات الغاز الروسي بموجب خطة الطاقة -بعد الحرب الروسية- البالغة تكلفتها 200 مليار يورو، مما يرفع هدف الطاقة المتجددة إلى 45% من إجمالي إمدادات الطاقة بحلول عام 2030، كما سيتم تسريع تصاريح التخطيط لتنتهي خلال عام واحد بدل الانتظار 7 أو 8 سنوات.
وعلى مدى السنوات الثماني المقبلة، تهدف أوروبا إلى مضاعفة إنتاج الطاقة الشمسية إلى 600 غيغاواط، معظمها على أسطح المنازل، ومضاعفة إنتاج طاقة الرياح إلى 480 غيغاواطا، بالإضافة إلى إنتاج 30 مليون سيارة كهربائية.
ويعلق تقرير تلغراف بالقول “يتطلب كل هذا كمية هائلة من المعادن المهمة وسلسلة إمداد عالمية معقدة تتجاوز بالكامل تقريبا النطاق الإستراتيجي للاتحاد الأوروبي، وعليه فعل ذلك بينما هو في منافسة مع الصين التي تعمل على إمداد اقتصادها بالكهرباء بوتيرة أسرع”.
وحسب التقرير، فقد أفاد رئيس الشبكة الحكومية الصينية زيغانغ زانغ في دافوس بأن بلاده تبذل جهودا ملحمية للتوسع في الطاقة المتجددة التي تمثّل الدافع المركزي إلى جانب الطاقة النووية، في خطة لكسر الاعتماد على واردات الطاقة المنقولة بحرا وتطوير مصادر محلية أكثر أمانا.
ونقل التقرير عن دانييل يرغين خبير الطاقة في شركة “آي إتش إس ماركت” قوله إن اللغز يكمن في المكان الذي سيجد فيه العالم هذه الكميات من النحاس لتعزيز عملية “الكهربة”.
وأشار التقرير إلى أن أوروبا تفطنت متأخرة جدًا إلى السباق العالمي على المواد الحيوية، وستجد نفسها في أسفل الترتيب مع تضاؤل العرض.
وأضاف أنه رغم أن بروكسل تحاول إطلاق خطط كبيرة وإنشاء جميع أنواع التحالفات، فإنها قد تكافح لتحقيق أهداف صفقتها الخضراء.
وقال التقرير إن البعض يشبّه ميل أوروبا الجديد إلى الشراء الجماعي للإمدادات -اللقاحات أولاً، ثم الغاز الطبيعي، والآن المعادن- بالمركزية السوفياتية للاقتصاد، وكل ذلك تحت اسم الكفاءة العقلانية.
وتابع “قد يتغلب ذلك على متوسط السعر، ولكن من الممكن أن يغفل الاتحاد الأوروبي بسهولة عن الضرورة الرئيسية في هذه العملية، وهي أن هذه الاستجابة السريعة تنطوي على مخاطر”.
المصدر : تلغراف