عراقيل سياسية أمام وصول تونس إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي

عراقيل سياسية أمام وصول تونس إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي

رغم اتحاذ الحكومة التونسية خطوات إصلاحية ضمن قانون ميزانيتها للعام 2023 يقول مراقبون إنها تستجيب لشروط صندوق النقد الدولي، لا تزال العقبات تعترض طريق التوصل إلى اتفاق مع الصندوق. ويشير مراقبون إلى أن ضغوطا سياسية داخلية وخارجية تفرمل المضي قدما في المفاوضات مع الصندوق.

تونس – أكّد متابعون للشأن السياسي في تونس وجود أطراف تسعى لعرقلة مسار التفاوض مع صندوق النقد الدولي والتوصّل إلى اتفاق معه، رغم قطع خطوات في تنفيذ شروط الصندوق من خلال قانون المالية الذي تضمّن عناصر تستجيب لها، لعلّ أهمها الإصلاحات المتعلقة بمراجعة منظومة الدعم وتوسيع القاعدة الجبائية للعودة إلى التفاوض.

وتعوّل تونس على موافقة صندوق النقد الدولي على منحها قرضا بقيمة 1.9 مليار دولار لإصلاح توازناتها المالية وتمويل ميزانيتها وفتح الآفاق لإبرام اتفاقات مالية مع أطراف مانحة أخرى، مقابل الالتزام بحزمة إصلاحات تشمل نظام الدعم والمؤسسات العمومية المتعثرة والتحكم في كتلة الرواتب وغيرها من الإصلاحات الأخرى.

واعتبر الخبير الاقتصادي عزّالدين سعيدان أن “الوضع سيزداد صعوبة إن لم يحصل اتفاق مع صندوق النقد ”.

وشددّ سعيدان في تصريح لإذاعة محلية أن “ملف تونس رُفض أمام صندوق النقد الدولي، وأن الصندوق لا يؤجل بل يرفض”، مفنّدا تصريحات محافظ البنك المركزي مروان العباسي الذي أكد أن النقاش متواصل مع صندوق النقد الدولي وأن الاتفاق حاصل على مستوى الخبراء.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن “صندوق النقد يفرض توفر شروط مسبقة قبل البدء في المفاوضات وهو ما لم توفره تونس، حيث لم تتمكن من تعبئة الموارد اللازمة لإقناعه أن هناك تمويلات لميزانية الدولة لسنة 2023 ولبرنامج الإصلاحات، ما أدى إلى رفض الملف”.

كما بين أن “الإمكانية متاحة للعودة من جديد للتفاوض مع صندوق النقد الدولي في حال توصلت تونس إلى تنفيذ شروطه”.

ويرى مراقبون أن هناك أطرافا خارجية تشترط العودة إلى المسار الديمقراطي عبر النشاط الحزبي تسعى لعرقلة تلك المفاوضات، خصوصا بعد دعمها المشروط للإجراءات الاستثنائية للرئيس سعيد في 25 يوليو 2021.

وقال المحلل السياسي المنذر ثابت إن “من يسعى لعرقة مسار التفاوض والوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي هي الولايات المتحدة لأنها استثمرت في المخبر التونسي والربيع العربي، وما حصل كان مشروطا، لأن الإدارة الأميركية تفاعلت مع إجراءات الرئيس التونسي في 25 يوليو 2021 ولم يكن ذلك بدعم صريح، بل بدعم مشروط”.

وأضاف لـ”العرب” أن “الخلاف يبدو في مستوى المواعيد التي من شأنها أن تضمن العودة إلى مسار الديمقراطية واشتراط عودة الأحزاب إلى المشهد السياسي في تونس، وهي (واشنطن) لا ترى العالم إلا من خلال صورتها أو النموذج الغربي”.

وأشار ثابت إلى أن “قانون المالية لسنة 2023 يحقّق جزئيا شروط صندوق النقد الدولي من خلال محاولة توسيع القاعدة الجبائية والاتجاه نحو الرفع التدريجي للدعم وتكريس آلية للدعم المباشر للعائلات الفقيرة، ولكنه لا يحقّق كل الشروط”.

واستطرد قائلا “الرئيس قيس سعيد عندما شارك في القمة الأميركية – الأفريقية عرض تصوّرات على وزير الخارجية الأميركي، واليوم هناك موازين قوى خارجية”.

وكان ممثل صندوق النقد الدولي مارك جيرار أكد أن النقاش حول البرنامج الإصلاحي الذّي تقدمت به تونس سيتواصل على مستوى مجلس إدارة الصندوق.

وأضاف خلال تظاهرة “أيّام المؤسسة” بمحافظة سوسة التونسية في ديسمبر الماضي “نحاول تقديم خبرتنا وأعتقد أن الإصلاحات ستعود بالفائدة على تونس”.

وأوضح أن الصندوق “سعى لأن يحظى برنامج الإصلاحات بموافقة جميع الأطراف، وأنّ المشاورات التّي أجراها الصندوق مع الاتحاد العام التونسي للشغل كانت جيدة”، على حد تعبيره، لافتا في الآن ذاته إلى “أهميّة تعزيز العدالة الجبائية وتحسين مناخ الأعمال”.

وأعلن صندوق النقد الدولي يوم الخامس عشر أكتوبر الماضي عن التوصل إلى اتفاق مع السلطات التونسية على مستوى الخبراء لمنحها قرضا بقيمة 1.9 مليار دولار لمدة 48 شهرا من أجل مساندة السياسات الاقتصادية للبلاد.

وأكد الصندوق في بلاغ نشره آنذاك أن الاتفاق النهائي يبقى مرتبطا بموافقة المجلس التنفيذي للصندوق والذي من المبرمج أن يناقش طلب تونس في شهر ديسمبر 2022.

واعتبرت أطراف سياسية أن تواصل الخطاب السياسي المزدوج من قبل مؤسسات الدولة عطّل مسار التفاوض وأحدث ضبابية في مستوى الأهداف، وسط دعوات إلى ضرورة توحيد مضامين الخطاب مع الصندوق.

وقال ناجي جلول رئيس الائتلاف الوطني التونسي إن “ثقة صندوق النقد الدولي والجهات المانحة في الرئيس سعيد تراجعت، وهو مطالب بالإمضاء، والحكومة تفاوض على 8 شروط أبرزها ترشيد الدعم”.

وأضاف لـ”العرب” أن “الصندوق يريد من الأطراف التونسية أن تتحدّث بلغة واحدة وخطاب موحّد بدلا من ازدواجية الخطاب التي تعرقل هذا المسار”، لافتا إلى أن “شروط الصندوق ستكون بمثابة الكارثة ولذلك أنصح الرئيس سعيّد بعدم الإمضاء والسعي نحو إيجاد حلول جديدة لتمويل خزينة المالية من بينها دمج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد المحلي”.

واعتبر جلول أن “القبول بشروط الصندوق سيؤدي إلى كارثة وفوضى اجتماعية، والرئيس يتعامل مع أنصاره، في المقابل الحكومة تحاول أن تجد حلولا تقنية”.

وقدّرت ميزانية تونس لسنة 2023 بنحو 70 مليار دينار (21 مليار يورو)، ويعول من أعدها أساسا على جمع الضرائب إضافة إلى التداين من الخارج والداخل، لانتقاد سياسات الرئيس قيس سعيّد.

وقطعت تونس خطوات في تنفيذ شروط الصندوق من خلال قانون المالية تتعلق أساسا بترشيد منظومة الدعم وإيجاد آليات للدعم المباشر للفئات الضعيفة.

وسعت الحكومة التونسية لطرح اكتتاب وطني بقيمة 2.8 مليار دينار (900 مليون دولار) للمساهمة في تمويل ميزانية 2023 وسط تشكيك من الخبراء الاقتصاديين في جدوى هذه الخطوة في ظل ضعف المؤسسات الاقتصادية.

كما تواجه السلطات انتقادات من الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) الذي لوح بورقة الشارع والإضرابات رفضا لقانون المالية ولخطة الإصلاح الاقتصادي، رغم تأكيد الرئيس سعيّد عدم وجود نوايا لرفع الدعم وبيع المؤسسات العمومية.

ويهدف البرنامج التونسي الجديد المدعوم من صندوق النقد الدولي إلى استعادة استقرار الاقتصاد الكلي، وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي والعدالة الضريبية، وتكثيف الإصلاحات التي تدعم بيئة ملائمة للنمو الشامل وخلق فرص عمل مستدامة.

ويعاني اقتصاد تونس منذ سنوات مع بدء الانتقال السياسي في البلاد في عام 2011، وقد ضاعف وباء كورونا من الأزمة الاقتصادية والمالية، ما دفع الآلاف من الشباب إلى مغادرة البلاد، حيث تم تسجيل نسب هجرة قياسية في السنة الماضية.

العرب