الفيدرالية في سورية

الفيدرالية في سورية

4a610fda32de4e4bd74e9d904fa7d
أعلن الحزب الاتحادي الديمقراطي (بي ي دي) قيام فيدرالية في الشمال السوري، تحت مسمى روجافا، بعد أن كرَّر طويلاً أنه بات مُقِراً بصيغةٍ للحكم، تقوم على سلطة المجالس الشعبية، وهو ما فعله بعد أن تسلّم السيطرة على محافظات الحسكة والقامشلي من النظام الذي قرَّر الانسحاب منها.
في المسار الطبيعي، تقوم الفيدرالية على ضوء توافق مجتمعي، يجد تمظهره في الدستور الذي يشمل البلد كلها. بالتالي، من غير الطبيعي أن يعلن حزبٌ قيام فيدرالية فقط، لأنه سيطر بالقوة، وبتواطؤ النظام، على مناطق معينة، يقول إنها كردية، أو يعتبر أنها جزء من “الأرض التاريخية” للأكراد. ولهذا، من الواضح أن الحزب يستغلّ ظرف سورية الراهن، من أجل فرض أجندته هو، وليس أجندة الأكراد، بقوة السلاح. ومن الطبيعي أن يقود ذلك إلى صدامٍ عسكري، وحرب، وهذا هو الخطر الممكن في الفترة المقبلة.
لا بد من التوضيح، أولاً، أن الفيدرالية نظام إداري لدولة اتحادية، وبالتالي، فإنه لا يخص لا القوميات ولا الطوائف، على الرغم من أن الإمبريالية الأميركية حاولت تكييفه، لكي يصبح التعبير عن “التقسيم الطائفي والإثني” كما فعلت في العراق، وكما عمّمت في خطابها العولمي، من خلال الحديث عن المكونات. وبهذا، يبدو أنه أصبح متداولاً من أطرافٍ عديدةٍ، انطلاقاً من هذا الفهم الذي كان مدخلاً لتفكيك الدول أصلاً.
وعلى الرغم من أن إعلان الفيدرالية من الحزب تقصّد ضم عرب وسريان، لكي يخفي الطابع الكردي للفيدرالية، لكنه ينطلق من منظور الحزب إلى حدود الوجود الكردي في سورية التي كان يحدّدها حزب العمال الكردستاني، الحزب الأم لحزب البي ي دي، بشمول شمال سورية من البحر المتوسط إلى حدود دير الزور. وهذا الأمر هو الذي دفع الحزب إلى محاولة توسيع سيطرته في شمال حلب، من أجل ربط عفرين بعين العرب والوجود الكردي في شمال شرق سورية. وهذه مشكلة أخرى، تخص الحزب الذي ينطلق من منظور تعصبي قومي، لا يتناسب مع الوضع في سورية، وهو ما يظهر بتسمية المنطقة “روجافا”، والتي تسمى كذلك “كردستان الغربية”، والتي تضم أغلبية عربية أصلاً (وهذا الوضع هو الذي دفع الحزب إلى إظهار وجود عرب وسريان معه).
مرّ وجود الأكراد في سورية بمراحل متعددة. لكن، لا بد أن يكون واضحاً أنه وجود حديث، وليس كما الوجود في شمال العراق. فقد عملت الدولة العثمانية على نقل مجموعاتٍ كرديةٍ إلى مناطق عديدة في سورية، في سياق سعيها إلى ضمان طريق الحجاز، وقد نقلت كذلك تركماناً وشيشانا. لهذا، تشكلت مدن كردية في عفرين وجبل الأكراد في ريف اللاذقية، والعتمانية في الجولان وغيرها. وقد حدث ذلك كله في القرن التاسع عشر، لكن انهيار الدولة العثمانية، وميل الأكراد إلى الثورة ضد الدولة الجديدة أدى إلى هجراتٍ كرديةٍ إلى الشمال الشرقي السوري. وهي هجراتٌ كبرت، منذ نهاية الخمسينيات من القرن العشرين فقط، وظهرت واضحةً في الستينيات.
هذا يعني أن الوجود الكردي ليس تاريخياً في سورية، وأنه نتاج هجرات إلى أرضٍ عربية. وبهذا، نشأ شعب على أرضٍ عربية، أرضٍ يسكنها عرب وسريان تاريخياً (وسكنوا كل جنوب تركيا منذ قرون طويلة). وهذا لا يعني أنْ لا حقوق لهؤلاء، نتيجة حداثة وجودهم، لكنه يعني فهم الوضع بشكلٍ دقيقٍ، لكي لا يجري الانسياق نحو الشطط القومي، وفتح صراعاتٍ لا أفق لها. وبالتالي، تمثل الحالة الكردية وجود أقليةٍ قومية، والحل يكون بإقرار مبدأ المواطنة من جهة، وإقرار الحقوق القومية التي تتمثل في التكلم باللغة وتعليمها، والتعبير عن الثقافة والتراث الشعبي. لكن، كذلك يمكن قيام الإدارة الذاتية في المناطق الأساسية لتمركز الأكراد، وهي هنا في الشمال الشرقي السوري، وفي مناطق محدَّدة فيه.
من حق الأكراد الحصول على حقوقهم، في إطار سورية موحّدة.
سلامة كيلة
نقلا عن العربي الجديد