كانت زيارة الرئيس حسن روحاني لأسر ضحايا انفجار وقع في منجم زمستان في شمال إيران تسير كما هو مخطط لها، إلى أن بدأت الجماهير المحتشدة أمام سيارته تهتف “هذا يوم حداد للعمال”. وبعد ثوان أظهرت لقطات فيديو تهتز الصور فيها رجلا يقفز على مقدمة السيارة ويدق عليها بقدمه في مواجهة مباشرة نادرة وسط سباق انتخابي مشحون يتركز على اقتصاد إيران المتعثر.
اتسعت الشعارات التي ترددت في الاحتجاج لتشمل مجالات أخرى منها ضعف معايير الأمان وتأخر صرف الرواتب وضعف التغطية التأمينية والبطالة الموسمية.
وانتشر مقطع الفيديو على منصات وسائل تواصل اجتماعي تدعم المنافسين المحافظين لروحاني الذين اتهموه مرارا بالفشل في تحقيق ما وعد بأن يتحقق من الوظائف والنمو بعد الاتفاق النووي التاريخي الذي أبرمه. وقالت وكالة تسنيم للأنباء “عمال المناجم المطحونون لا يمكنهم العيش بوعود روحاني الفارغة”.
وأشارت وكالات أنباء أخرى منها وكالة الطلبة للأنباء إلى أن أعداء روحاني تسللوا إلى الجماهير التي تجمّعت في إقليم جلستان. وكانت الشعارات التي ترددت شبيهة شبها مذهلا بالهتافات التي رددها محتجون أحدثوا بلبلة خلال خطاب ألقاه الرئيس في الأول من مايو في ضريح الزعيم الراحل آية الله روح الله الخميني.
منافسو روحاني: الرئيس راهن بأكثر مما يجب على التقارب مع الغرب وانتظر دون جدوى الاستثمار الأجنبي
وسواء كان ذلك مدبرا أم لا فإن هذه الشعارات تردد صدى أصوات ملايين الإيرانيين الذين يعيشون أوضاعا اجتماعية صعبة ويحرمهم الفقر من أبسط ضروريات الحياة؛ ويعلمون أن ما ردة فعل المحافظين وحديثهم عن الفساد والفقر ليس سوى حديث انتخابات سينتهي بانتهائها. لذلك لم يشككوا في وعود المرشحين المحافظين إبراهيم رئيسي ومحمد قاليباف بتوفير بين خمسة ملايين وستة ملايين فرصة عمل في أول فترة رئاسية إذا فاز أي منهما بالانتخابات.
وقال المرشحان إنهما سيتبعان سياسات اقتصادية “تتطلع إلى الداخل” وتركز على الإنتاج الوطني وسد الفجوة بين الفقراء والأغنياء. وقال رئيسي إنه سيزيد المدفوعات النقدية الشهرية للطبقات الدنيا إلى ثلاثة أمثالها. ووعد قاليباف بزيادة الدخل القومي 2.5 مرة خلال أربع سنوات.
وانتقد رئيس البرلمان علي لاريجاني وهو من المحافظين تعهد المرشحين بفعل المستحيل وقال إنه لا توجد أموال لزيادة المدفوعات النقدية الحكومية. وقال سعيد ليلاز المحلل الإيراني “المرشحون… كلهم يريدون خلق وظائف وزيادة الإنتاج والنمو الاقتصادي. إنهم يكررون ما قاله روحاني بأرقام أكبر فحسب”.
فقراء في بلد المرشد الملياردير
في الوقت الذي يبسط فيه المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي يده على إمبراطورية مالية تجعله من أغنى أغنياء العالم، وفيما يسيطر الحرس الثوري وأذرعه على مفاصل الاقتصاد في البلاد، يعيش أكثر من 11 مليون إيراني تحت خط الفقر، ووصل الأمر بالعائلات إلى بيع أطفالها وهم أجنة في بطون أمهاتهم من أجل لقمة العيش.
وحتى الطبقة المتوسطة التي نجت نسبيا من الفقر المدقع ليست أفضل حالا مع استشراء الفساد وارتفاع الأسعار وزيادة الضرائب لتغطية الحجم الكبير للنفقات نتيجة حروبها في الخارج. ومن أجل دفع هذه الضرائب وتوفير النفقات لم يجد بعض الرجال الإيرانيين من حلّ غير عرض نسائهن للبيع، والاتجار بالأطفال. كما ارتفعت نسبة الانتحار بسبب الفقر والبطالة.
وتلخّص الناشطة الحقوقية الإيرانية شيفا هذا الواقع بقولها في تصريح لوكالة دوتشيه فيلله الألمانية “في شوارع طهران، يمكن شراء العديد من الأشياء: الكحول والمخدرات والجنس والكلى السليمة… المواطنون اليائسون باتوا يبيعون أعضاء جسدهم، بل وأصبحوا يبيعون أطفالهم أيضا”.
ولم ينكر المسؤولون الإيرانيون هذا الواقع، حيث صرحوا به، وإن كان بشكل جمّل، حيث لا يتم الكشف عن الأرقام الصحيحة لهذه الظواهر.
وما تكشفه الأحياء العشوائية والبناءات الفوضوية في محيط العاصمة طهران وغيرها من المدن ليس سوى ملمح صغير من حقيقة “منجزات الثورة الإسلامية” وما يدعيه نظام الخميني من أن “نجحت في ردم الفوارق بين الطبقات ومحاربة الفقر”؛ النظام الذي أرسى دعائمه منذ سنة 1979 لم ينجح سوى رفع رقعة المهمّشين والفقراء، ولم يخدم سوى “رجاله” وحرسه.
قبل توقيع الاتفاق النووي، وأيضا قبل أن تكشف إيران عن تدخلها المباشر في منطقة الشرق الأوسط، لم تكن ملامح هذه الصورة واضحة، وكلما ظهر من يحاول رفع الحجاب عنها وكشفها تسارع السلطات الإيرانية إلى التكذيب واضعة الأمر في خانة مؤامرات “الشيطان الأكبر” والوهن الاقتصادي الذي تعيشه البلاد مرده العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الغربية عليها؛ وما يتمتع به “رجال النظام من أموال فذلك حقهم ومكافآتهم نتيجة ما قدّموه للثورة ولإنقاذ البلاد من بطش الشاه وظلمه للشعب”.
لم يكن أمام الإيرانيين، الذين لم يجدوا وسيلة للهرب من البلاد، إبان الثورة، غير تصديق ذلك والعيش على أمل أن يأتي يوم وترفع العقوبات تتحسن الحال. لذلك توجّهت الأغلبية نحو حسن روحاني في انتخابات 2013 والذي رفع حينها شعار المفتاح كرمز لانفتاح إيران على العالم ورفع العقوبات عبر تحقيق اتفاق مع القوى الغربية.
وعود اقتصادية ولكن؟
نجح حسن روحاني في تحقيق الاتفاق ورفع بمقتضى ذلك نسبة من العقوبات المفروضة على إيران. لكن توقف الوعد الانتخابي هنا، وحادت الأموال عن طريق الشعب نحو الحروب التي تشعلها إيران في الشرق الأوسط.
وتبين أن توقيع الاتفاق لم يكن لتحقيق الرفاه للشعب الإيراني بل لتنفيذ أجندة سياسة لا تعني للإيرانيين غير العزلة والفقر والمخدرات وغير ذلك من الأزمات الاجتماعية. الأموال ذهبت لشراء أسلحة روسية متطورة أو إعادة إحياء المشاريع الثورية التي من شأنها أن تشجع طبقة النخبة فقط.
ذهب البعض من المحللين إلى حد القول إن إيران “احتالت” على شعبها. وعد أنصار الاتفاق النووي الشعب الإيراني بالكثير. ومع رفع العقوبات كان من المنتظر أن ينتعش الإقتصاد الإيراني.
ولكن هذا لم يحدث. بعد أكثر من عام على رفع بعض العقوبات بعد أكثر من عام على رفع بعض العقوبات، يقول كثيرون إن حالتهم لم تتحسن. ومع اقتراب موعد الانتخابات في إيران، في شهر مايو 2017، تزداد الضغوط على حسن روحاني.
ظاهريا، شهد الاقتصاد الإيراني نموا قويا، لكن هذا يمكن أن يعزى إلى حد كبير إلى مضاعفة الإنتاج الإيراني الخام إلى أكثر من 3 ملايين برميل يوميا.
ووفقا لشركة فوكس إيكونوميكس المتخصصة في التحليل الاقتصادي، انتعش الاقتصاد الإيراني بشكل كبير خلال النصف الأول من العام 2016، مدعوما بارتفاع إنتاج النفط وصادراته بسبب رفع العقوبات الاقتصادية. ويحذّر المحللون من فشل وصول ذلك النمو إلى الشعب الإيراني، الذي تبعه ارتفاع معدل البطالة خلال نفس الفترة.
وقال روحاني في مؤتمر انتخابي في مدينة حمدان بغرب إيران ” حتى أن مرشحي المعارضة المتشددين يعتزمون بناء جدران في الشوارع للفصل بين النساء والرجال “.
وذكر الموقع الإخباري (عصر إيران) إنه قال إنه سيعاد إدخال التدابير الأمنية الصارمة في حرم الجامعات في حال فاز أي من المرشحين المتشددين.
ويحاول المرشحان المحافظان عمدة طهران محمد باقر قاليباف وإبراهيم رئيسي منع فوز روحاني بفترة ولاية ثانية.
ويتهم المرشحان روحاني بالترويج للعلمانية وتقويض الجمهورية الإسلامية وبالفشل أيضا في سياساته الاقتصادية. ويأمل الإصلاحيون في نسبة إقبال مرتفعة وهو ما صب في صالحهم خلال الانتخابات الماضية قبل أربع سنوات.
وقال شهاب قرقاش، رئيس شركة ضمان للاستثمار (إماراتية خاصة)، إن إيران لم تحقق أهدافها الاقتصادية المنشودة منذ الاتفاق النووي الذي ما يزال محل جدل إلى الآن.
وأضاف قرقاش أن الحكومة الإيرانية ما تزال مستمرة في السعي نحو الاندماج مع التوجه الرئيسي للاقتصاد العالمي رغم أن بعض القيود، التي فُرضت عليها في أوقات سابقة، ما زالت قائمة.
ولفت إلى أن استقطاب الاستثمارات الأجنبية، لا سيما في قطاع النفط والغاز، يعد ضرورة ملحة بالنسبة لإيران، ومع ذلك ستكون عملية التكامل مع الاقتصاد العالمي تدريجية وليس دفعة واحدة.
وقال الخبير الاقتصادي محمد العون، إن العقوبات على إيران لم تنتهِ عمليا وما تزال سارية المفعول رغم الاتفاق، لا سيما أن العقوبات رُفعت عنها وباتت عودتها إلى الأسواق العالمية في حكم المؤكد، موضحاً أن معظم العقود ليست حاسمة، وأغلبها اتفاقيات تمهيدية ومذكرات تفاهم وليست ملزمة للاستثمار.
وتابع العون أن إيران غير مستعدة بعدُ لجلب رؤوس الأموال والاستثمار فيها؛ بسبب العلاقات المتردية مع دول الشرق الأوسط، ولا سيما الخليج العربي.
وقال خبراء إنه في حين يمكن لروحاني أن يشير إلى انخفاض معدل التضخم من 40 في المئة في عام 2013 إلى 8.7 في المئة في العام الماضي 2016، إلا أن هذا التحسن لم يشعر به أولئك الذين يكافحون من أجل الحصول على وظائف. ويبلغ معدل البطالة العام نحو 12.4 بالمئة، بينما يبلغ 29.2 بالمئة بالنسبة إلى من هم دون سن الـ25.
قال جاسم عجاقة، الخبير الاقتصادي والأستاذ في الجامعة اللبنانية، إن الاقتصاد الإيراني صار يتنفس مقارنة بما كان عليه قبل العقوبات، ولكن لم يصل إلى ما كان مستهدفاً من جانب القيادة الإيرانية.
وأضاف عجاقة أن الآمال الإيرانية بتدفق الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد لم تتحقق، علاوة على استمرار حجز الأصول المالية لدى المصارف الأجنبية (وفقا لبعض التقديرات، تصل 120 مليار دولار).
وبين أنه على الرغم من زيادة الصادرات النفطية لإيران، فإن هذا لم يترك أثرا ملموسا على النمو الاقتصادي للبلاد في ظل أسعار النفط المنخفضة حتى الآن. ولفت عجاقة إلى أن القطاع النفطي ما يزال بحاجة لاستثمارات ضخمة، لكن تعقيدات التعاملات مع المصرف المركزي الإيراني، علاوة على استمرار وجود حواجز ومعرقلات أمام انتقال الأموال، تحول دون ذلك.
وحتى الآن، لم تُقدم الشركات الغربية الحريصة على استغلال احتياطيات النفط والغاز الإيرانية الهائلة، على الدخول بقوة في البلاد رغم رفع العديد من العقوبات عنها.
ويقدر الإيرانيون أن القطاع بحاجة إلى استثمار 100 مليار دولار لعودة الإنتاج إلى مستوياته السابقة قبل فرض العقوبات، مقارنة مع تقديرات غربية تقول إن إيران بحاجة 300 مليار دولار تقريباً.
حروب خارجية
يقول منافسو روحاني إن الرئيس راهن بأكثر مما يجب على التقارب مع الغرب وانتظر دون جدوى الاستثمار الأجنبي ولم يحقق في الداخل إنجازا يذكر لتحسين الإنتاج الوطني. لكن، المحلل السياسي في الشأن الايراني كاميل البوشكة يؤكد أن من أسباب الضعف الاقتصادي هو دعم النظام الإيراني للميليشيات المسلحة في العراق وسوريا واليمن ولبنان ونيجيريا سبب انهيار الاقتصادي الإيراني في الداخل بالإضافة إلى الفساد الإداري الذي لعب دورا كبيرا في تدمير البنية الاقتصادية للموطن الإيراني. ولم يكن للإفراج عن الأموال المجمّدة التي قدّرت بمبلغ 55 مليار دولار ولا للاستثمارات الأجنبية (3.5 مليار دولار) أثر كبير على الاقتصاد الإيراني.
ويضيف البوشكة في تصريح لـ”العرب”، أنه رغم الوعود الكثيرة التي قدّمها النظام الإيراني بخصوص تقلّص نسبة الفقر بعد الاتفاق النووي، يثبت الواقع أن تلك الوعود كانت زائفة وفرضتها المرحلة حيث كان الوضع يفرض وصول رئيس مصنّف على تيار الاعتدال والإصلاحيين بعد فترة متوترة جدا بسبب سياسات الرئيس المتشدد أحمدي نجاد.
خلال المناظرة، قال قاليباف إنّ 11 مليونا من الإيرانيين يعيشون في بيوت الصفيح، فردّ عليه إبراهيم رئيسي مصححا الرقم بأنه 16 مليونا؛ فيما رفع علي نكزاد، رئيس الحملة الانتخابية لرئيسي العدد إلى 20 مليون إيراني. ومهما كان هذا الرقم فالأكيد أنه مرشح للارتفاع بشكل يمكن أن يهدّد أركان النظام.