دخلت العقوبات النفطية على إيران حيز التنفيذ منذ 2 أيار/مايو الجاري بهدف تصفير صادرات النفط الإيرانية. وتسعى السياسة الأمريكية لجعل الدول التي تستورد النفط الإيراني كالصين والهند واليابان وتركيا تمتنع عن شرائه. من جهة اخرى تقوم كل من السعودية و الامارات بضخ كميات جديدة من النفط في الأسواق، وذلك بناء على طلب أمريكي، بهدف إبقاء الأسعار في وضع معتدل. وقد أعلنت الادارة الأمريكية بأنها ستعاقب كل من يشتري النفط الإيراني. لكن على ما يبدو ستكون الصين أول المتمردين على القرار الأمريكي. هذه تطورات ستعقد المشهد وستضيف على حالة التوتر في منطقة الخليج والعالم العربي كما والعالم. فحتى اللحظة لا يعرف كيف ستتصرف إيران مع هذه الضغوط؟
في الجوهر لن تغير العقوبات من السلوك الإيراني الكثير. فالدولة الكبرى الأولى بقيادة ترامب ليست مهابة كالدولة الكبرى في زمن الرئيس بوش الأب وفي زمن الرئيس كلينتون. ولا يخفى على أحد بأن العقوبات على إيران ليست شيئا جديدا منذ ثورة 1978، لهذا فالاعتقاد بإمكانية تغير السلوك الإيراني بواسطة ضغوط قادمة من رئيس أمريكي يزداد عزلة على الصعيد العالمي ليست في مكانها.
لقد أدخلت ازمة النفط الإيراني العالم في بعد جديد. فسقوط الأسعار ليس من مصلحة الدول المصدرة للنفط، كما أن كلا من تركيا والهند والصين لن يتخلوا عن النفط الإيراني الثقيل. ستبقى تجارة النفط قائمة وسيتضخم التهريب، ولن يكون الرئيس ترامب قد أضاف شيئا جديدا سوى مزيد من التوتر في إقليم مشتعل. سيبقى هدف هذه الادارة خلق مزيد من التوترات مما قد يدفع دول عدة لمزيد من الاعتماد على الولايات المتحدة وبالطبع لمزيد من شراء الأسلحة. لكن الهدف الثاني وقد يكون الأهم للإدارة هو جلب إيران لطاولة التفاوض بما يؤدي لاتفاق نووي جديد يشمل الصواريخ البعيدة الأمد والصناعات الإيرانية العسكرية التي تهدد، بطبيعة الحال، إسرائيل.
ولو مثل السلوك الإيراني السابق النموذج لما سيقع في المرحلة القادمة، يمكن القول بأن إيران ستتبع ذات الأسلوب الذي يحول الضغط عنها نحو الأطراف. ستنتظر إيران الحملة الانتخابية الأمريكية وامكانية انتهاء عهد ترامب. بطبيعة الحال سيعني هذا بنفس الوقت إمداد الحوثيين بأسلحة أكثر تأثيرا مما قد يخلق تصعيدا في حرب اليمن. وبما أن السياسة الإيرانية قلما تلجأ لردود الفعل، فهذا يعني أن إيران ستصعد من دعمها لأطراف مختلفة وستبحث عن حلفاء جدد في ظل مواجهة الضغوط الأمريكية/الإسرائيلية على المدى المتوسط. وهناك من توقع أن تقوم إيران بتفجير نووي كوسيلة لإنهاء الضغوط الموجهة إليها، لكن هذا ما لا تريده القيادة الإيرانية التي تحظى بالتعاطف في أوساط دولية فاعلة سبق لها أن وقعت معها الاتفاق النووي. لهذا فسياسة الهدوء والبحث عن حلفاء ستكون أساسية للسياسة الإيرانية.
الهدف الأهم للإدارة الأمريكية هو جلب إيران لطاولة التفاوض بما يؤدي لاتفاق نووي جديد يشمل الصواريخ البعيدة الأمد والصناعات الإيرانية العسكرية التي تهدد، بطبيعة الحال، إسرائيل
ان العقوبات التي تفرضها الدول في التاريخ الإنساني قلما تؤدي لنتيجة جدية في تغير سلوك، هذا يستثني بالطبع حالات الظلم التي تعرضت لها شعوب كما حصل مع الأبارثهايد في جنوب افريقيا حيث انضمت معظم الدول في العالم لحملة العقوبات والمقاطعة. العقوبات والمقاطعة تتركان كل الأثر في حالات محددة خاصة عندما تقاطع شعوب اقتصاد دوله بسبب ظلمها وتعديها أو عندما تقاطع دول كثيرة دولة بسبب سلوكها العنصري كما وقع في جنوب أفريقيا. لكن في معظم حالات العقوبات والمقاطعة تجاه دول أعلنت التمرد النسبي او الكلي على الدور الأمريكي العالمي كما حصل مع كوبا ومع نيكاراغوا ودول أخرى. لكن في الحالة الإيرانية، هناك شعور بين دول كثيرة بأن إيران التزمت بالاتفاق النووي وان الولايات المتحدة هي التي انسحبت من طرف واحد.
إيران الراهنة مليئة بالتحديات الذاتية والداخلية، لكن العقوبات والضغط الأمريكي القادم من اليمين الأمريكي و ترامب لن يسمح لإيران بالتوسع في خلافاتها الداخلية. لهذا فالرهان على انفجار داخلي إيراني ليس في مكانه. إن التدخل الأمريكي سيطمر الصراع الإيراني الداخلي وسيعظم من زخم الصراع الخارجي مع الولايات المتحدة، وهذا يعني أن إيران ستجد في الصراع الجديد المفروض فرصة لتقوية الجناح الإيراني الاكثر تشددا.
لقد تحولت فكرة «إيران النووية» لحالة ذهنية إيرانية تعكس مكانة إيران في توازنات الإقليم والعالم. هذا السعي بدأ مع شاه إيران قبل ثورة 1978، بل حتى احتلال جزر الإمارات العربية المتحدة بدأ مع الشاه قبل الثورة. المقصود أنه توجد سياسة إيرانية إقليمية هدفها وضع إيران على خارطة التأثير والمكانة. إشكالية «المكانة» لدى إيران ليست جديدة، فهي الدولة الثانية من حيث المكانة الإقليمية بعد الدولة العثمانية قبل الحرب العالمية الأولى. الواضح في سياسة إيران الاقليمية انها ولأسباب تاريخية وجغرافية وعقائدية لن تقبل بمكانتها الراهنة، لكنها بنفس الوقت تمارس سياسة التمدد والاستعداد للمرونة لتتفادى مصيرا يشبه مصير صدام حسين والنظام في العراق. لقد كان الاتفاق النووي الموقع عام 2016 أفضل اتفاق لمنع إيران من استكمال برنامجها النووي. لكن توسع إيران في برنامج للصواريخ يؤثر على ميزان الشرق الأوسط مع إسرائيل عزز المخاوف الإسرائيلية الأمريكية ودفع الولايات المتحدة للانسحاب في ظل طلب مفاوضات جديدة تتضمن البرامج العسكرية الاخرى.
سيثبت المستقبل بأن إيران ليست سوى توتر إضافي لكل التوترات التي تعيشها الولايات المتحدة مع دول العالم. وهذا يعني ان تمرد العالم والدول تجاه السياسات الأمريكية ممكن وقائم. ان سياسات الولايات المتحدة تجاه الشرق الاوسط وتجاه الجولان وتجاه القدس في العامين 2018-2019 كما وسياساتها تجاه الصين وفنزويلا بل وكوبا مؤخرا و ودول أخرى في العالم تشجع الدول على التمرد.
القدس العربي